الاثنين، 19 نوفمبر 2012

أحمد فؤاد نجم..شاعر العامية المصرية والأغنية السياسية



يقول الشاعر أحمد فؤاد نجم، في معرض رده على من يتهم شعره بالمباشرة إنه لايكتب «مذهبات» لكي تعلق على أستار الكعبة .. والشاعر الشعبي يختار كلماته كما لو أنها طلقات لأنه «أمام أنماط مثل الطبقة البذيئة التي تحكمنا، عليّ أن أختار الكلمة ..ودوماً أنا قادر على اختيار الكلمة البذيئة التي تعادل الفعل البذيء الذي تمارسه تلك الطبقة ولذلك فأنا أوجعها».
هذا الشاعر الشعبي الذي اتسمت روحه بالانعتاق والتوق الدائم للحرية، لم يكن ينتمي لأي حزب أو تيار لأنه «لو كان يوجد في مصر، منذ عام 1962، حزب حقيقي للطبقة العاملة لما ترددت لحظة في الانضمام إليه كأحمد فؤاد نجم الانسان والفنان، ولكن للأسف لا يوجد في مصر ولا في الوطن العربي حزب للطبقة العاملة حقيقي وناجح وقادر على استيعاب الطاقات الفنية المبدعة وتنظيم صفوفها».
وهذا الموقف يعود الى منتصف الثمانينات تقريباً، حيث بدا أن الشاعر الفنان وجد في صوته وفنه بديلاً شديد الالتصاق والانتماء الى الناس أكثر من أي شيء آخر.

مسيرة تعب
ولد الشاعر أحمد فؤاد نجم في أيارعام 1929 في قرية عزبة أبو نجم في محافظة الشرقية لأسرة متوسطة الحال، وكان والده يعمل في الجمارك، لكنه ما لبث أن توفي وشاعرنا في السادسة من عمره، وأصبحت أمه، التي أثرت كثيراً في حياته بقوتها وصبرها، معيلة لأسرة تتكون من أربعة صبيان وبنت.
وكل ما يذكره نجم عن والده هو ما يرويه في سيرته الذاتية التي نشرت مسلسلة في إحدى الصحف في الثمانينات «كان أبي يزعم أنني أكثر إخوتي ذكاء..الأمر الذي يشير الى مقدار ما كان يتمتع به إخوتي من غباء نادر.. يعني كانوا «استيكة خالص» . وكان يتوقع لي واحداً من أمرين: إما أن أصعد الى القمة، أو انحدر الى قاع الهاوية، الامر الذي حدث لي».
وقد تم إلحاق نجم بملجأ للأيتام في مدينة الزقازيق، وقد درس لسنوات قليلة، وانتقل بعدها الى العمل فمارس عدداً من الأعمال والحرف من عامل زراعي، الى ترزي «خياط» الى موزع بريد، الى كاتب في إحدى الشركات.ومن البدهي أن نجم عانى في حياته تلك من الفقر وشظف العيش الكثير، وهذا ما جعل انتماءه للفقراء والبسطاء انتماء نهائياً لم يساوم عليه خلال مسيرته النضالية الطويلة كما يؤكد..
الشعر والبدايات
يقول نجم إن أولى قراءاته الجادة بدأت في منتصف الاربعينات حيث بدأ التعرف على الفن والادب بشكل موسع نسبياً.. أما بدايته الشعرية فقد كانت في مطلع الخمسينات، وكان أقصى طموحه آنذاك أن يغني له المطرب الراحل عبد الحليم حافظ واحدة من قصائده، فوسّط خال المطرب عبد الحليم من أجل ذلك.
أما التحول الحقيقي نحو الشعر العامي، وإدراك ماهية الشعر بالنسبة لنجم، فقد بدأ في سجن مصر العمومي «ليمان فراسيدات» عندما تعرف على الشاعر »بيرم التونسي» حيث اكتشف «وظيفة جديدة للشعر غير تلك التي تقال في محطات الإذاعة» .
وقد قضى نجم في السجن ثلاث سنوات من عام 1959 وحتى 1962. حيث دخله بعد مظاهرة عمالية اعتقل على إثرها مع عدد من العمال ومات أحدهم تحت التعذيب فرفض نجم الادلاء بغير الحقيقة .. فكانت التهمة التي وجهت له هي التزوير «تزوير شيكات ب24 ألف جنيه».
وفي السجن تعرف على عدد من المثقفين، من تيارات مختلفة، وراحت تجربته تنضج أكثر فأكثر وأصدر ديوانه الاول داخل السجن وهو بعنوان «صور من الحياة والسجن» بعد أن فاز هذا الديوان بالجائزة الاولى في مسابقة نظمها المجلس الأعلى للفنون والآداب وساعده في إخراج القصائد أحد ضباط السجن.
وقد أثار هذا الديوان معركة داخل المجلس الأعلى للفنون والآداب، فقد كان عباس محمود العقاد ضد شعر العامية ولذلك رفض الطبع، لكن مجموعة أخرى بينهم بيرم التونسي وسهير القلماوي تصدوا للعقاد وكان أن رأى ديوانه الأول النور.
وقد بدا واضحاً من الديوان الأول انتماء الشاعر واختياره للجبهة التي سيقف بين صفوف أبنائها فقال في قصيدة «فلاح يخاطب اقطاعياً»:
الحرير اللي انت نايم فيه بتاعي
واللي غازل كل فتله فيه صباعي
والنعيم اللي انت عايش تحت ظله
كل ده من صنع ايدي.. من ذراعي
وهكذا نمضي مع شاعرنا لنقف عند وجهة نظره في الشعر والفن وصاحبه، ماذا يريد من الشعر ومن الشاعر؟ وكيف ينظر الى دوره وموقعه يقول نجم في أحد اللقاءات « فليسقط كل الشعر إذا كان وسيلة لتأليه الذات، وملعون كل الكلام ما لم يقف صريحاً وواضحاً مع الشعب، مهموماً بهمومه، وساعياً إليه».
ومن هنا أيضاً كان اختيار الشاعر للعامية المصرية بمثابة الاعلان الصريح عن الانتماء الى الناس البسطاء، ومخاطبتهم بلغة قريبة منهم ويعرفونها جيداً وتشكل جزءاً من ثقافتهم الحياتية والاجتماعية.. اختيار أراد أن يشحنه بطاقة كبيرة من القهر والألم الذي يعيشه الناس، وصوره في وصف الحال:
صابر على البلى...
حمار..
شيل الحمول من اسمتي والانتظار..
ولعل في تجربة نجم الشعرية ما هو لافت من حيث استخدامه للألفاظ والصور الشعرية البعيدة كل البعد عن التنميق، بل تتجه الى نوع من البساطة التي هاجمه البعض بسببها على الرغم مما يبدو من غنائيتها:
ناح النواح والنواحه
على بقرة حاحا النطاحة
والبقرة حلوب
حاحا
تحلب قنطار
حاحا
نجم والشيخ إمام
بعيد هزيمة حزيران عام 1967 شكل الثنائي أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى ظاهرة في تاريخ الغناء السياسي.. ظاهرة كان لها وقع كبير في أوساط الشباب والجامعة. وقد اتجه الشاعر والمغني مباشرة وببساطة في الكلمة واللحن، الى مخاطبة وجدان الناس ومشاعرهم وتحريضهم لمواجهة الفساد والخراب الذي راح ينتشر في كل مكان، ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وضرورة الخروج من عباءة الموافقة والقناعة التي شكلت ما يشبه الحاجز النفسي في أعماق الكثير من الرازحين تحت وطأة الألم والفقر والاضطهاد.
يعود لقاء أحمد فؤاد نجم بالشيخ إمام، كما يروي، الى عام 1962 وذلك بعد خروجه من السجن حيث التقى بصديقه الموسيقي سعد الموجي الذي قال له هناك «ملحن فقير وضرير وفنان عظيم تربطه وشائج روحية وفنية عميقة بالشيخ سيد درويش ولذلك يقول عنه الكثيرون إنه دقة قديمة».
وبالفعل التقى نجم بإمام، وسمع منه، ودخل فن إمام الى أعماق نجم حتى إن الشاعر قرر ترك مكان سكنه القديم وانتقل للسكن في «قدم حوش» حيث يسكن الشيخ إمام في أحد الأحياء الفقيرة في القاهرة، وحيث كان مقره «إمام» ملتقى لكثير من شباب مصر المثقفين الذين يتداولون في الكثير من شؤون مجتمعهم، ويأملون بالتغيير.
وقد قال نجم عن الشيخ إمام «جسد لي بحياته وتجربته وصوته وأصالته كل الجمال الكامن في مصر والذي يحتاج دائماً الى الاكتشاف وإجلاء الصدأ،كنت أرى فيه مصر مظاهرات 46، مصر العمال المقاومين والفلاحين المعدمين،القرآن الذي حفظته، والتعاطف الإنساني الذي لا مثيل له».
وقد بدأ الثنائي المشوار الصعب بشكل محدود، ولجمهور محدود أيضاً، لكن مع الوقت، وبعد عام 1967 اتسعت الدائرة، وراح نجم الثنائي يلمع في سماء الغناء السياسي، وبين بعض المثقفين في مختلف الدول العربية. وقد تعرضا معاً الى تجربة السجن التي تضاف الى تجارب كثيرة للشاعر فؤاد نجم، وللشيخ إمام.. ولكن التجربة أصبحت ظاهرة في عالم الشعر الثوري والغناء السياسي.
ويعيد بعض الدارسين نجاح التجربة الى اعتماد اللهجة العامية ومزاوجة الشعر بالغناء، واعتماد ايقاعات شعبية رائجة.. إضافة الى الموضوعات الحارة التي عالجها الشاعر فؤاد نجم بكلماته العامية، ولحنها الشيخ إمام بعصارة روحه.
بالطبع لم تسلم هذه الظاهرة من هجوم عنيف، في بعض الأحيان، من قبل الصحافة وبعض المثقفين الذين وجدوا فيها خروجاً على «الشرعية السياسية» أو ادعوا ضحالة الحالة الشعرية والفنية التي تنطوي عليها لتغييب الموقف الحقيقي.
ومع ذلك نتذكر اليوم هذه التجربة على أنها واحدة من التجارب الفنية ذات الطابع الإنساني التي جسدت طموح الفرد «الفنان المثقف» في جعل الثقافة والفن بعضاً من أدوات الكفاح في سبيل تحقيق حياة أفضل للفرد والمجتمع.

مقاطع من قصائد لفؤاد نجم
مصر يا بهية
مصر يا أمة يا بهية
يا أم طرحة وجلابية
الزمن شاب
وانتي شابة
هو رايح
وانتي جيه
جيه فوق الصعب ما شيه
فات عليكي ليل وميه
واحتمالك هو هو
وابتسامتك هي هي
تضحكي للصبح يصبح
بعد ليلة ومغربية
تطلع الشمس تلاقيه
معجبانية وصبية
يا بهية
هما مين وإحنا مين..؟
هما مين واحنا مين..؟
هما الأمرا والسلاطين
هما المال والحكم معاهم
واحنا الفقرا المحرومين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيحكم مين؟
البحر بيضحك ليه..
البحر بيضحك ليه..
وأنا نازلة ادلع أملا القلل
البحر غضبان ما بيضحكش
أصل الحكاية ما تضحكش
البحر جرحه مابيد بلش
وجرحنا ولا عمره دبل
مساكين بنضحك من البلوة
زي الديوك والروح حلوة
الممنوعات
ممنوع من السفر
ممنوع من الغنا
ممنوع من الكلام
ممنوع من الاشتياق
ممنوع من الاستياء
ممنوع من الابتسام
وكل يوم في حبك
تزيد الممنوعات
وكل يوم باحبك
أكتر من اللي فات
************************
محطات في حياةأحمد فؤاد نجم
ـ ولد في أيار عام 1929.
ـ عانى من مشقة الحياة والفقر بعد وفاة والده وهو في السادسة من عمره، ومارس أكثر من عمل ليعيش.
ـ دخل السجن عام 1959 وبقى فيه حتى عام 1962.
ـ بعد خروجه من السجن التقى في أيار من العام نفسه المطرب الشيخ إمام عيسى.
ـ عام 1964 عمل في سكرتارية منظمة التضامن الآسيوي الافريقي بالقاهرة وظل فيها حتى عام 1969 حين قبض عليه بتهمة سياسية.
ـ في عام 1977 قبض عليه بتهمة سياسية بعد قصيدته «بيان هام» وحكم عليه بالسجن لمدة عام.
ـ وقبض عليه مرة أخرى عام 1981 بتهمة سياسية أخرى.
ـ ألقي القبض على أحمد فؤاد نجم عدة مرات وتراوحت الفترات التي قضاها في السجن بين أسبوعين وثلاث سنوات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق